Headlines
Published On:الخميس، 24 مايو 2012
Posted by الاردن اليوم

تعليقاً على تقرير ال بي بي سي عن مراكز العناية بالمعاقين


;
صورة
  وكالة جرش الاخبارية- لمّا كنتُ ممَّن يتتبَّعون الشؤون التربوية والاجتماعية في الأردن وفي العديد من البلدان العربية المجاورة لبلدنا لبنان، رأيتُ أنّ زيارة جلالة الملك عبد الله الثاني في الأردن إلى مراكزَ تُعنى بذوي الاحتياجات الخاصة في عمان، قد حملت في طيَّاتها عنصرَ مفاجأةٍ في كنفه فرح.

 وبوصفي مديرًا تنفيذيًّا لجمعية تضمُّ تحت مظلَّتها مدرسةً ومؤسَّسةً تُعنيان بذوي الاحتياجات الخاصة منذ أكثر من 5 سنوات، قد لفتتني العبارة «الاحتياجات الخاصة»، إذ تَدحَرُ المصطلح السلبي «الإعاقة»، لأنّ الذين نحسبهم «معوقين»، بمقدورهم، إذا وافتهم الرعاية الملائمة، أن يقوموا بإنجازات تستحقُّ الثناء، ولربَّما لا يستطيعها غيرُهم.
 وعلى سبيل المثال لا الحَصر، أودُّ أن أذكر ما حقَّقه العالم آينشتاين أو الفيزيائي والكاتب ستفن هوكنغ (Stephen Hawking) أو المحفِّز نك جوسيس (Nick Vujicic) أو الكاتبة والفنانة التشكيلية جوني إيريكسون تادا (Joni Eareckson Tada).
هذا، ولا يفوتنا أن نستبشر خيرًا بقرار الملك إمهال الحكومة أربعة عشر يومًا، لإجراء تحقيق على خلفية الفيلم الوثائقي الذي عَرَضَته قناة ال بي بي سي والذي رفع النِّقابَ عن انتهاكات يتعرَّض لها أطفال بدور رعاية في الأردن، وتوجيهه رسالة إلى رئيس الحكومة الدكتور فايز طراونة يطلب فيها مراجعة الأنظمة والقوانين التي تحكم دور الرعاية.
 وإننا لَعلى ثقة بأنّ رئيس الوزراء سينجز المَهمَّة على أتمِّ وجه، ويقدِّم تقريرًا وافيًا ومتميِّزًا،خاصة بعدما أكد في بيانه الوزاري يوم الأحد الفائت في 20 أيار 2012 لمجلس النواب أنً الحكومة ستحافظ على المخصصات اللازمة لشبكات الأمن الاجتماعي، وقد عيّنت لجنةُ التحقيق التابعة لوزارة التنمية الاجتماعيّة يومَ الثلاثاء 22 أيار لتلقي المعلومات والشكاوى مباشرة من قبل أولياء الأبناء أو البنات نزلاء مراكز المعوقين التابعة للقطاعات الحكومية والخاصة والأهلية، الذين أسيئت معاملتهم.
 فالأمن الاجتماعي والصحي والغذائي لا يقلُّ أهمّيةً عن أمن الدولة والأمن في الشارع .
فمن واجب الحكومات توفيرُ الأمن في كلِّ صعيد، تأمينًا لمجتمع متحضر، يبنيه مواطنون أكفاء ومثقفون وواعون لواجباتهم الوطنية، وقادرون على القيام بهذه الواجبات، ما دامت حاجاتهم متوافرة.
لا شكَّ أنّ هاتين الخطوتين ضروريَّتان لتخفيف معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في الاردن ، ولا سيما أنّ المملكة تتميَّز بالعدد الكبير من المراكز الخاصة والتطوعية والحكومية التابعة لمؤسسات دولية، والتي تأسَّس بعضُها منذ أكثر من 15 عامًا، ويفوق عدد المنتسبين في بعضها ال 2000 ... . إذًا، كان من الطبيعي أن تأتي ردَّة الفعل هذه في ظلِّ أنباءٍ عن سوء معاملة تلك.
ولقد تشرَّفتُ، منذ مدة قصيرة، بزيارة مركز الملكة رانيا العبد الله، لرعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة من العسكريين، وأودُّ أن أثني على الجهود التي يضطلع بها العاملون على العناية بالعسكريين ذوي الاحتياجات الخاصة في هذا المركز، وعلى المستوى العالي من المهنية والاهتمام ...
 فالمطلوب ليس الشفقة على ذوي الاحتياجات الخاصة وعزلهم إبّانَ إقامتهم  في هذه المراكز، إنما المطلوب من المركز والعاملين فيه، ما وجدناه في مركز الملكة رانيا، أي العناية والاهتمام والحفاظ على كرامتهم، وعلى الصحة النفسية لهم ولأسرهم.
ومن المؤسف، في الوقت عينه، هو أنّ التقارير التي وردت حول انتهاكات وممارسات مهينة يتعرَّض لها نزلاء بعض هذه المراكز، ليست جديدة في العالم العربي، وإن اختلفت أنواعها وأوجهها.
 ففي لبنان مثلاً، وقد تناولنا هذه المشكلة في مقالة نشرت في جريدة النهار في حزيران 2011، نرى أنه قليلة هي المدارس التي تطبِّق مبدأ الدمج، وتستقبل ذوي الاحتياجات الخاصة وأولئك الذين يعانون صعوباتٍ في التعلُّم.
وفي لبنان يعاني الأطفال من هذه الفئات وأسرهم شتّى أنواع التمييز، بسبب غياب ثقافة احترام حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وبسبب غياب القوانين الفعّالة والمُجدِية التي تحميهم.
ومن المؤسف أيضاً أنه اضطُرَّ في الأسبوع الفائت عدد من المراكز التي تستقبل أولئك الأطفال، ومنهم أيضاً من البالغين، إلى إقفال أبوابها أمام ذوي الاحتياجات الخاصة، وبالتالي عدم اندماجهم في المجتمع، وذلك بسبب شحِّ الموارد المالية في خزينة الدولة المخصصة للتغطية الصحية والاجتماعية.
ولكن في لبنان والأردن وفي سائر الدول العربية وغيرها، ثمّة حاجة مُلِحَّة إلى نشر ثقافة احترام حقوق وحاجات ذوي الاحتياجات الخاصة بالتزامن مع إعداد كوادر من الاختصاصيين في مجال التربية الخاصة وإعادة التأهيل.
ثمّ إننا في حاجة على مدى السنوات الثلاث القادمة إلى القيام بما يلي:
• حملة توعية بالتعاون مع جميع وسائل الإعلام على صعيد الوطن العربي بغية تسليط الضوء على الحقائق الأساسية المتعلِّقة بهذه الفئات، تمهيدًا لتصحيح نظرة المجتمع ونشر ثقافة احترام حقوقهم وحاجاتهم. فبسبب غياب ثقافة احترام حقوق الإنسان، فإنّ ذوي الاحتياجات الخاصة، بمن فيهم ذوو التوحُّد أو التأخُّر، يعانون التهميش والتمييز والحرمان من التعلُّم ومن العمل ومن التأمين الصحي، بدرجات متفاوتة بين بلد وآخر.
• نص وتفعيل تشريعات عصرية تحدِّد السياسات والمخططات والإستراتيجيات التنموية المتعلِّقة بالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والضمان الاجتماعي بغية إطلاق خطة وطنية لتحقيق الدمج في المدارس والمجتمع؛ ولا سيما تشريعات تضمن حقَّ التعلُّم (Education for All)الذي تدين به مؤسسات الأمم المتحدة وتدعمه .
• القيام بعملية مسح شامل لمعرفة أنواع المشاكل التي يعانيها ذوو الاحتياجات الخاصة، وعدد الذين يعانون كلَّ مشكلة وفي أقرب وقت، كي ينطلق قطار الدمج بوتيرةٍ أسرع. ففي غياب هذه المعلومات والأرقام، يتعذَّر وَضعُ الخطط والسياسات التي تُلائِم كلَّ بلد، وتَحُدُّ من حرمان ذوي الاحتياجات الخاصة. وقد تقصر الدول ذاتها في تأمين فرص العلاج والدمج والدعم لأجل التعلُّم، ولكن حين تتوافر المعلومات الموثَّقة، تتهافت المؤسَّسات الدولية لأجل النهوض بهؤلاء، انطلاقاً من تجارب ناجحة في البلدان النامية.
• القيام بتشخيص علمي معترف به عالميا، وذلك للتعرُّف بأوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة، مستعينين باختصاصيين وخبراء متعاقدين مع مؤسَّسات معتمدة (accredited institutions)، يثبِتون أنهم على معرفة وافية بأدوات التقويم المتداولة (assessment tools)، وهي عبارة عن اختبارات شخصية ونفسية وطبية مُحرَزَة، أثبتت جدواها وفعاليتها في تحديد مواطن الضعف والصعوبات لدى ذوي الاختلافات في التعلُّم، مثل اختبار كوفمان لتقويم الأطفال (Kaufman Assessment Battery forChildren(K-ABC))، وهو اختبار تشخيصٍ نفسي لتقويم التطوُّر المعرفي، ومقياس وكسلر للذكاء عند الأطفال والمراهقين (Wechsler Intelligence Scale).
على أثر عملية التقويم التي تتبع الخطوات المذكورة ، وعملية التشخيص التي ترتكز على إحدى أدوات التقويم المعتمدة (accredited)، يمكن التوصُّل إلى التعرُّف بمواطن الضعف والصعوبات بنسبة عالية من الدقّة، ومن ثَمَّ يجب أن ينطلق المشخِّصون بأسرع وقت ممكن إلى وضع برنامج تعليم فردي (Individualized Educational Program (IEP)) يتطابق وحاجات الشخص المعني. ويجب مراجعة وتقويم مدى فعالية هذا البرنامج في التخفيف من صعوبة التعلُّم لدى هذا الشخص دوريًّا.
تُشكِّل هذه الخطوات أساسًا لتقدُّمٍ يرمي إلى تحقيق تغييرٍ على صعيد معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة.هذا، وإننا بأمس الحاجة إلى نشر ثقافة احترام حقوق وحاجات هذه الفئة من المجتمع كي نَحُدَّ من معاناتهم بسبب التهميش والتقصير والإهمال، وانتهاك المبادئ الأخلاقية التي لا تَنُمُّ عن افتخار المواطنين في البلدان العربية وشهامتهم.
إنّ تشكيل لجنة تحقيق وتقويم لعمل المراكز العاملة حاليًّا ضروري، ولكنه ليس كافيًا ما لم نبادر سريعاً إلى تنفيذ التوعية والتقويم والتشخيص على نحوٍ شامل. بل إنّ تقويم اللجنة قد يأتي مُخحِفًا في بعض الحالات، حيث لم يَحظَ العاملون في هذه المؤسسات بالتدريب الكافي، ولم يَحظَ النزلاء بفرصة تقويم شامل وتشخيص فاعل، على أساس أدوات التقويم المعتمدة عالميًّا.
فالمواطن، كما يشير جلالة الملك «هو ثروتنا ورأسمالنا الحقيقي، وأولويتنا دومًا هي توفير البيئة الآمنة والصحية لمختلف شرائح المجتمع كي تحيا بكرامة، وتعيش بكلِّ سكينة وطمأنينة ...».
أخيراً وليس آخراً، نتمنى أن تؤدي حملات وبرامج التوعية والتشريعات الجديدة الى النتيجة المرجوة، وإبدال الكلمة «المعوقون أوالمعاق» بالعبارة «ذوو الاحتياجات الخاصة» بغيةتخفيف معاناتهم وبالتالي مساعدتهم على كسب الثقة في النفس واحترام الذات.

المدير التنفيذي، الجمعية اللبنانية للإنماء التربوي والاجتماعي
الأمين العام، رابطة المدارس الإنجيلية في لبنان

About the Author

Posted by الاردن اليوم on 11:18 م. Filed under . You can follow any responses to this entry through the RSS 2.0. Feel free to leave a response

By الاردن اليوم on 11:18 م. Filed under . Follow any responses to the RSS 2.0. Leave a response

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

sidebarads

banner

    Blog Archive