Headlines
Published On:السبت، 24 مارس 2012
Posted by الاردن اليوم

واقع وآفاق الحراك الشعبي في الأردن


واقع وآفاق الحراك الشعبي في الأردن

 وكالة جرش الاخبارية - يجمع المراقبون والمحللون على أن الحراك في الشارع الأردني لم يصل في حجمه واتساعه وديناميكيتيه وسقف مطالبه إلى مستوى حراك الشارع في بعض البلدان العربية، وليس مقدراً له ذلك إلى أجل غير مسمى بسبب خصوصية الوضع الأردني، رغم ما يوفره الوضع العربي العام من فرصة متاحة لتحقيق خطوات نوعية باتجاه الإصلاح السياسي، لا تمثل الحاجة إليها الاستجابة لمطالب الشارع فقط، بل هي حاجة ملحة للنظام كي لا تضعف قدرته على توحيد المجتمع بكل فئاته وأطيافه السياسية، واستيعاب القوى الجديدة الصاعدة، وخاصة الشابة منها.
حراك شعبي أم حراك نخب..

تختلف الآراء في تحديد كنه وأهداف الحراك في الشارع الأردني وما هو مأمول ومطلوب منه، ويمكن تصنيف الآراء في ثلاثة اتجاهات رئيسية تتقاطع فيما بينها في العديد من النقاط الرئيسية، وتفترق في نقاط أخرى:
الاتجاه الأول: يرى أصحاب هذا الاتجاه أن التحركات التي يشهدها الشارع الأردني "تبلور نفسها ضمن خصوصياتها الوطنية" بوصفها "ثورة ضد النيوليبرالية وفسادها ونهجها المتجسد عياناً في الإثراء للأقلية والإفقار والتهميش للأغلبية" على حدِّ وصف الكاتب الأردني ناهض الحتر، الذي يدافع عن وجهة النظر هذه بالقول: "إن قضايا الحقوق الليبرالية والسجالات حول الإصلاح السياسي الانتخابي والدستوري وغيرها، أو قضايا مثل الإطاحة بهذه القيادة الأمنية أو تلك، أو تحجيم هذا الجهاز أو ذاك، لا تحظى بالأولوية لدى جماهير الحراك الشعبي التي تتمحور أولوياتها حول المعركة مع أنظمة الفساد، وحول مطالب اجتماعية ومحلية وكذلك وطنية.. معركة مع نهج اقتصادي- اجتماعي- سياسي كامل، هو نهج اقتصاد السوق المعولم، الذي أدى إلى تفاقم المديونية العامة، والعجز وتدني قدرة الحكومة المركزية على إدارة ملفات التنمية والخدمات العامة". ويستدرك قائلاً: إن تلك المطالب "تدور مداراً سياسياً من خلال وعي تشابك المهمات".
وحول القوى المجتمعية التي تضطلع بالحراك، يؤكد أصحاب هذا الاتجاه أن الاحتجاجات تقودها تجمعات سياسية ناشئة من النخب الثقافية اليسارية والوطنية غير محزبة، بالتحالف مع تيار عريض من المتقاعدين العسكريين، الذين أحدث دخولهم إلى ميدان العمل السياسي "هزة فكرية وسياسية في البلد، واجتذب عناصر جديدة من صفوف فئات اجتماعية تقليدية إلى ممارسة العمل السياسي الشعبي والمطلبي المستقل..".
وبناء على ما سبق، فإن التغيير المطلوب في الأردن بنظر المؤيدين لوجهة النظر هذه، كما يبينه الكاتب الحتر، رهن بفهم معادلة ما هو ممكن في ظل الظروف الخاصة والمعقدة، من جملتها الوعي الشعبي الذي يرى بأن "الثورة يمكن أن تنجح داخل الدولة عن طريق التصحيح الاجتماعي الجذري لبرامجها ومسارها. ويستند هذا الوعي إلى ركائز متشابكة تأخذ بالاعتبار جملة عوامل منها وضع الأردن الجغرافي السياسي الحساس، وما يجابهه البلد من أخطار إقليمية، والضرورة المحلية والدولية القائمة للملكية، وإمكانية إحداث الثورة الاجتماعية داخلها. بل إن الأولوية الاجتماعية الوطنية التي تهيمن على الحراك الشعبي، تعكس، بحد ذاتها، خياراً سياسياً قائماً على الحذر من إصلاح سياسي قد يلامس مناطق خطرة بالنسبة للدولة، التي تراها عناصر المعارضة الجديدة، دولتها بالذات".
الاتجاه الثاني: خلافاً للرأي المذكور، يعتقد خبراء في الشأن الأردني أن "قوى التّغيير لم تصل إلى الدّرجة التي يمكن فيها القول إن الشعب الأردني متفق على قيادة التحول أو على إنجاز مشروعه التّغييري.."، وتدعم د.ساندي سالم أبو سيف هذا الاعتقاد بالقول: "جاءت مشروعات الإصلاح التي تبنتها الحكومة  تحت وطأة حراك النّخبة أو القلة من فئات الشّعب، واستجابة لا بديل عنها للتغييرات الكبرى التي عصفت بالمنطقة  أقرب إلى أن تكون "مصنوعة" وغير صادرة عن إرادة حقيقية، إذ تأتي في سياق "تسليك الحال" وليس تغيير الحال، وهذا هو الفارق الحساس الذي يضع كل مشروعات الإصلاح في الأردن قيد التعطل والتأخير والمماطلة والتسويف وأقرب إلى "التزييف" منه إلى الحقيقة".
كما ينفي مؤيدو هذا الاعتقاد وجود قوى سياسية ناشئة ومنظمة تقود الاحتجاجات، الأمر الذي توضحه د. ساندي أبو سيف بالتشديد على أن "المتابع لموجة الاحتجاجات العامة التي وقعت في الأردن في الفترات الأخيرة سيلاحظ دون شكّ أنّها لم تكن تستند إلى دعم شعبيّ يمكن فيه القول بأنها حركات "شعبيّة"، بل كانت أشبه بتحركات خجولة لبضع مئات أو آلوف يخرجون في أغلبهم لدوافع حزبية بينما القلة منهم تندفع بإرادة ذاتية".
ما يعني أن المأمول من احتجاجات الشارع يتوقف على تحولها من "حراك نخبة" إلى "حراك شعبي"، باتفاق غالبية الشعب أو معظمه على "التحرك الذاتي المستمر والمتواصل والثابت، وليس المتأرجح والمتردد والخجول، وهذا ينطبق على جماعة 24 آذار  على سبيل المثال، وعلى العديد من  التحركات الأخرى والاعتصامات كتلك التي  تنادي مثلاً بالملكية الدّستوريّة وغيرها".
الاتجاه الثالث:
تتقاطع آراء مؤيدي هذا الاتجاه مع أراء أصحاب الاتجاه الأول في اعتبار الحراك الشعبي الأردني يشكل امتداداً للتحركات المطلبية، لكن ذلك لا يلغي، حسب وجهة النظر الثالثة، إمكانية اعتباره "امتداداً مباشراً للزلزال الشعبي التونسي-المصري الذي لما تتكشفْ كل أصدائه وتداعياته في الوطن العربي بعد". من هنا يؤكد د. إبراهيم علوش أن "الظروف الموضوعية التي فجَّرت انتفاضتي تونس ومصر الشعبيتين تشبه إلى حد بعيد الظروف الموضوعية في الأردن، ومنها: المزيج المتفجر من بطالة الشباب وارتفاع مستواهم التعليمي في آنٍ معاً. إفقار الشعب بالترابط مع استشراء الفساد وتمتعه بالحماية السياسية على أعلى المستويات. التفريط بالثروات العامة وإخضاع البلاد لنهج اقتصادي ليبرالي متطرف. التبعية للخارج ورهن القرار السيادي بقوى الهيمنة الخارجية. مصادرة القرار السياسي للمواطن وحقه في تقرير شؤونه العامة، إما بشكل قمعي مباشر أو من خلال واجهات شكلية مثل مجلس النواب الأردني.. تم تفصيلها على مقاسات الأجهزة الأمنية والسلطة التنفيذية..".
واستتباعاً، إن قيام تحرك شعبي حقيقي في الأردن يمكن أن يأتي فقط عبر خمس نقاط حددها د. علوش: "طرح نقاط التناقض مع النظام بوضوح، وليس تمييعها. التركيز على السياسات لا الشخصيات. ربط السياسات الداخلية والاقتصادية بالتبعية للخارجية والتطبيع مع إسرائيل. ربط المطالب الجزئية، على أهميتها، بمجمل مشروع التغيير. التركيز على البعد العروبي للحراك والهوية والرؤى السياسية التغييرية".
ما هو مستقبل الحراك السياسي في الأردن؟
يجيب الكاتب ناهص الحتر على هذا السؤال بالقول: "إن الذين راهنوا على نسخة أردنية من هذه الثورة العربية أو تلك، منيوا بالفشل. فللحالة الأردنية أصالتها النابعة من التداخل بين الفئات الاجتماعية المؤهلة لإحداث التغيير وبين أجهزة الدولة. وليس من دون دلالة أن قوى المعارضة الجديدة الأكثر تأثيراً هي، جميعاً، من قوى القطاع العام، عمالاً ومعلمين ومتقاعدين وناشطين مطعمين بعناصر معدودة من العناصر اليسارية والقومية المستقلة". ويضيف: "لا أمل للفئات النيوليبرالية والكمبرادورية المسيطرة باستخدام عنف الدولة مع قوى اعتراض وتغيير نابعة من أجهزة الدولة نفسها، أو تؤثر عليها في العمق السياسي والثقافي. وتبدو لي المعركة محسومة طالما بقي الضغط الشعبي مستمراً".
بينما ترسم د. ساندي أبو سيف صورة غير مطمئنة، إذ تقول: "استطاع النظام في الأردنّ أن يحافظ على شكل من أشكال الاستقرار في العلاقة بين مؤسسة الحكم وبين الشعب، حيث لم تسجل حركات احتجاجية واسعة أو ذات تأثير واسع يمكن أن توسم بالانتفاضة الشعبية أو بالعصيان، وذلك يعود إلى عدة أسباب أرى أن أهمها يرد إلى  ما يمكن أن أطلق عليه "إشكالية الهوية الأردنية"؛ فالهوية الأردنية  تعاني من الانقسام والضبابية.. وغير خافٍ أن هذا الشكل من أشكال التعايش لا يمكن التعويل عليه كثيراً في قيادة حراك شعبي، إذ لا يمكن أن تطالب مجتمع ما يعاني من شروخ جدية في هويته، ومن لا انسجام بين فئاته بالتحرك في أي اتجاه، طالما ظلت الهوية مهددة أو مستثارة من قبل أي عامل من العوامل فإنه لا يمكن الدفع باتجاه التواطؤ الجمعي أو الرهان على حراك عام  جامع – ولا أقول كلي -  يؤمن على الأقل تأثيراً واضحاً في صناع القرار أو يجبر النظام على تغيير سياساته".
بدوره يحذر د. إبراهيم علوش من وجود ما يسميه"قوى وشخصيات انتهازية ما فتئت تحاول امتطاء ظهر الحراك الشعبي إما لتحقيق أجندات شخصية أو ضيقة، وإما لحرفه عن هدف التغيير الجذري، وإما لتحويله إلى "ثورة ملونة" على نمط الثورات الملونة الموالية للولايات المتحدة في أوروبا الشرقية..".
وفي نهاية المطاف، بانتظار أن تدلي الأغلبية الشعبية الصامتة بدلوها، سيبقى المستقبل غامضاً بالنسبة إلى مصير الاحتجاجات المحدودة في الشارع، فهذه الأغلبية مازالت تقف حتى اليوم بعيداً عن النخب التي تطالب بالإصلاح والتغيير.
سامر الياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)  

print favorite rss

About the Author

Posted by الاردن اليوم on 12:04 م. Filed under . You can follow any responses to this entry through the RSS 2.0. Feel free to leave a response

By الاردن اليوم on 12:04 م. Filed under . Follow any responses to the RSS 2.0. Leave a response

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

sidebarads

banner

    Blog Archive